مِن الغريب حقاً أنْ تخفّ عائشة إلى أُمِّ سلمة تطلب منها القيام بمناجزة الإمام (عليه السّلام) مع علمها بما تكنّه مِن الولاء والتقدير له الأمر الذي دلّ على عدم خبرتها بالاتجاهات الفكرية لضرّاتها مِنْ أزواج النّبي (صلّى الله عليه وآله) ولمّا قابلتها خاطبتها بناعم القول قائلة : يا بنت أبي أُميّة أنتِ أوّل مهاجرة مِنْ أزواج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنتِ كبيرة اُمّهات المؤمنين وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم مِنْ بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك.
ورمقتها أُمّ سلمة بطرفها وقالت لها بريبة : لأمرٍ ما قلتِ هذه المقالة! فأجابتها عائشة مخادعة : إنّ القوم استتابوا عثمان فلمّا تاب قتلوه صائماً في الشهر الحرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعلّ الله يصلح هذا الأمر على أيدينا ، وأسدت لها أُمّ سلمة النصيحة وذكّرتها بمواقفها مع عثمان ونقمتها عليه وحذّرتها مِن الخروج على ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلةً : يا بنت أبي بكر بدم عثمان تطلبين؟! والله لقد كنت مِنْ أشدّ الناس عليه وما كنت تسميه إلاّ نعثلاً فما لك ودم عثمان وعثمان رجل مِنْ بني عبد مناف وأنت امرأة مِنْ بني تيم بن مرة؟ ويحك يا عائشة! أعلى علي وابن عمِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تخرجين وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟! وجعلت أُمّ سلمة تذكّر عائشة فضائل علي ومآثره وقرب منزلته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان عبد الله بن الزبير يسمع حديثها فغاظه ذلك وخاف أنْ تصرف عائشة عن عزمها فصاح بها : يا بنت أبي أُميّة إنّنا قد عرفنا عداوتكِ لآل الزبير ، فنهرته أُمّ سلمة وصاحت به : والله لتوردنّها ثمّ لا تصدنّها أنت ولا أبوك ، أتطمع أنْ يرضى المهاجرون والأنصار بأبيك الزبير وصاحبه طلحة وعلي بن أبي طالب حيّ وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟! فقال لها ابن الزبير : ما سمعنا هذا مِنْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ساعة قط ، فقالت أُمّ سلمة : إنْ لمْ تكن أنت سمعته فقد سمعته خالتك عائشة وها هي فاسألها قد سمعته (صلّى الله عليه وآله) يقول : علي خليفتي عليكم في حياتي ومماتي مَنْ عصاه فقد عصاني ، أتشهدين يا عائشة بهذا أم لا؟ فلم يسع عائشة الإنكار وراحت تقول : اللّهم نعم.
ومضت أُمّ سلمة في نصيحتها لعائشة قائلة : اتّقي الله يا عائشة في نفسك واحذري ما حذّرك الله ورسوله ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب ولا يغرّنكِ الزبير وطلحة ؛ فإنّهما لا يغنيان عنك مِن الله شيئاً .
ولمْ تعِ عائشة نصيحة أُمّ سلمة واستجابت لعواطفها وأصرّت على مناجزة الإمام (عليه السّلام) ، وكتبت أُمّ سلمة بجميع الأحداث التي جرت في مكّة إلى الإمام (عليه السّلام) وأحاطته علماً بأعضاء الفتنة .