كانت من النساء الطاهرات اللواتي عرفن بولائهن وحبهن لأهل البيت عليهم السلام، رأت من الآيات العظيمة والبراهين الواضحة من أسرارهم عليهم السلام، وقد روت عن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فعرفت بصدق الحديث، إنها:
أُمّ سلمة
زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن السابقين في الإسلام والمهاجرين إلى الحبشة. تعد من جملة النساء العاقلات في عصرها، وكان اسمها هند، هاجرت من بعد عودتها من
الحبشة، إلى المدينة، جرح زوجها في معركة أحد ثم استشهد، تزوجها النبي قبل معركة الأحزاب “و لمّا ولد الحسين كفلته أُم سلمة” (بحار الأنوار245:43).
بقيت أمّ سلمة من بعد وفاة الرسول، من محبي أهل البيت ثم صارت فيما بعد ذلك من أشد المعارضين لمعاوية، وبعثت إليه كتابا عابت عليه فيه سبّه لأمير المؤمنين عليه السلام. وكانت هذه المرأة الجليلة من رواة حديث رسول الله.
قبل أن يتوجه الامام الحسين الحسين بن علي عليهما السلام إلى كربلاء أودعها عَلَم وسلاح النبي وودائع الإمامة لكي لا تضيع وكانت المطالبة بها دليل الإمامة وقد سلّمتها للإمام السجاد عليه السلام (أصول الكافي 235:1 اثبات الهداة 216:5، بحار الأنوار 209:26)، وهذا أنصع دليل على رفعة مكانتها عند أهل البيت.
كان لدى أم سلمة اطّلاع مسبق من رسول الله صلى عليه وآله عن واقعة كربلاء؛ إذ كان صلى الله عليه وآله قد أعطاها ترابا جعلته في قارورة وقال لها: متى ما رأيت هذا التراب صار دما فاعلمي أن ولدي الحسين قد قتل. وفي إحدى الليالي رأت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو مكتئب وعليه ثياب مغبرّة، وقال لها أنني قادم من كربلاء ومن مدفن الشهداء. فنهضت من نومها ونظرت إلى القارورة فوجدت أن التراب صار دماً، وعلمت أن الحسين قد قتل، وارتفع صوتها بالبكاء والعويل فاجتمع جيرانها وأخبرتهم الخبر (بحار الأنوار45 :232,227,89,إثبات الهداة 192:5، أمالي الصدوق :120).
وحفظوا تاريخ ذلك اليوم و كان العاشر من شهر محرم. وبعد عودة أهل البيت إلى المدينة، وجدوا تاريخ تلك الرؤيا متطابقا مع يوم استشهاد الإمام. وهذه القصة معروفة في الأخبار والروايات بحديث القارورة.
بعد واقعة كربلاء أقامت المآتم على شهداء كربلاء وكان بنو هاشم يسيرون لتعزيتها باعتبارها الوحيدة المتبقية من زوجات رسول الله. توفيت أم سلمة بعد واقعة كربلاء ببضع سنوات (ورد في أحد الأخبار إنها توفيت عام 62) عن 84 عاما ودفنت في البقيع.
أم المؤمنين أم سلمة والإمام الحسين (عليه السلام)
إن من أوائل المآتم العزاء الحسينية التي أقامها نبي الله كانت في بيت أم سلمة رضوان الله عليها لما أخبرها بمقل الإمام الحسين عليه السلام، فلقد أخرج الحافظ أبو القاسم الطبراني في (المعجم الكبير) قال: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، نا جعفر بن مسافر التنيسي، نا ابن أبي فديك، نا موسى بن يعقوب الزمعي عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة: أن رسول الله (صلى الله عليه) اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر النفس وفي يده تربة حمراء يقلبها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق: – للحسين – فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها.
أم سلمة رضوان الله عليها ومقتل الإمام الحسين عليه السلام:
أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي بن / 26 / ب / عبد الله المضري وأبو بكر ناصر بن أبي العباس بن علي الصيدلاني بهراة، قالا: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن محمد الفارسي، أنبأنا أبو محمد بن أبي شريح، أنبأنا يحيى بن محمد بن صاعد، أنبأنا أبو سعيد الاشج، أنبأنا أبو خالد الاحمر، حدثني زريق [قال]: حدثتني سلمى قال: دخلت على ام سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعلى رأسع ولحيته التراب. فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. رواه الترمذي عن الاشج إلا أنه قال: رزين وهو الصواب.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي، أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس، أنبأنا أبو الحسن أحمد ابن معروف، أنبأنا الحسين بن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد، أنبأنا محمد ابن عبد الله الانصاري، أنبأنا قرة بن خالد، أخبرني عامر بن عبد الواحد: عن شهر بن حوشب قال: إنا لعند ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: فسمعنا صارخة فأقبلت حتى انتهت إلى ام سلمة فقالت: قتل الحسين. قالت: قد فعلوها؟ ملا الله بيوتهم – أو قبورهم – عليهم نارا. ووقعت مغشيا عليها وقمنا.
(1) رواه في الحديث: ” 111 ” من ترجمة الامام الحسين من الطبقات الكبرى: ج 8.
أم سلمة تروي نوح الجن على الإمام الحسين عليه السلام:
أخبرنا أبو بكر الانصاري، أنبأنا أبو محمد الجوهري إملاءا. حيلولة. وأخبرنا أبو نصر ابن رضوان، وأبو غالب ابن البناء، وأبو محمد ابن شاتيل، قالوا: أنبأنا أبو محمد الجوهري قراءة، أنبأنا أبو بكر بن مالك، أنبأنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، أنبأنا عبد الرحمان بن مهدي، أنبأنا حماد بن سلمة: عن عمار قال: سمعت ام سلمة قالت: سمعت الجن يبكين على الحسين. قال: وقالت ام سلمة: سمعت الجن تنوح على الحسين.
أخبرنا أبو البركات الانماطي، أنبأنا ثابت بن بندار، أنبأنا محمد بن علي الواسطي، أنبأنا محمد بن أحمد البابسيري، أنبأنا الاحوص بن المفضل بن غسان، أنبأنا أبي، أنبأنا عفان بن مسلم، أنبأنا حماد بن سلمة: أنبأنا عمار بن أبي عمار: عن ام سلمة قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين.
أخبرنا أبو البركات أيضا، أنبأنا أبو الفضل ابن خيرون، أنبأنا محمد، أنبأنا محمد، أنبأنا الاحوص بن المفضل بن غسان، أنبأنا أبي، أنبأنا عفان بن مسلم، أنبأنا حماد بن سلمة، أنبأنا عمار بن أبي عمار، عن ام سلمة قالت:
سمعت الجن تنوح على الحسين.
أخبرنا أبو السعود [أحمد بن علي] ابن المجلي، أنبأنا عبد المحسن بن محمد لفظا، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن محمد الدهان، أنبأنا أبو جعفر أحمد بن الحسن البردعي، أنبأنا أبو هريرة أحمد بن عبد الله بن أبي العصام العدوي، أنبأنا إبراهيم بن يحيى ابن يعقوب أبو الطاهر البزار، أنبأنا ابن لقمان، أنبأنا الحسين بن إدريس، أنبأنا هاشم بن هاشم، عن امه: عن
ام سلمة قالت: سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل وهن يقلن:
* أيها القاتلون ظلما حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم
* من نبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داود * وموسى وصاحب الانجيل
أنبأنا أبو علي الحداد وجماعة، قالوا: أنبأنا أبو بكر ابن ريذة، أنبأنا سليمان بن أحمد، أنبأنا القاسم بن عباد الخطابي، أنبأنا سويد بن سعيد، أنبأنا عمرو بن ثابت: عن حبيب ابن أبي ثابت قال: قالت ام سلمة: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا الليلة وما أرى ابني إلا قد قتل.
الإغماء الذي صاحب أم سلمة وأم البنين (عليهما السلام) بنبأ مصرع الحسين (عليه السلام)
هما في العزاء شريكتان، وفي القبور جارتان في البقيع متجاورتان، وقد جارت عليهما الدنيا بنبأ مصرع الحسين ، وكلاهما أغمي عليهما منذ إعلان مقتل الحسين في أرض كربلاء، الأولى هي أم سلمة زوجة النبي ، أما الثانية يا مؤمنين فهي أم البنين ، وقد شأت الأقدار أن يسمع أهل المدينة صرخه أم سلمة وهي تنهار، على الحسين دموعها تجري كالأنهار، بعد أن ولى النهار وأقبل الليل بالأحزان، تحولت القارورة إلى فيض دماء، معلنة مصرع الحسين (سلام الله عليه) في كربلاء، فلطخت أم سلمة وجهها بدم القارورة معزية سيد الشهداء، وقد أغمي على أم سلمة من شدة المصاب.
قال سبط ابن الجوزي في كتابه «تذكرة الخواص»: ذكر ابن سعد عن أم سلمة، أنها لما بلغها قتل الحسين قالت: أو قد فعلوها؟ ملأ الله قبورهم ناراً، ثم بكت حتى غشي عليها. وذكر هذا الحديث «الصواعق المحرقة».
أما الثانية التي أغمي عليها من شدة مصاب الحسين ، فهي أم البنين ، لم تتحمل بأبي هي وأمي خطب المصاب، وقد انهارت منذ أن جاءها خبر مقتل فتيتها في كربلاء، لكن مقتل الحسين هدها هداً وجعلها في حالة إغماء، وقد ورد أنه لما سمعت عن قتل الحسين سقطت مغشياً عليها، ولما أفاقت صرخت وندبت: وا حسيناه.
وقد ورد في زيارتها: “السلام على من شهقت وأغمي عليها في يوم ذبح الحسين “